بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين
أما بعد
كثير من الناس يرون في منامهم رؤى
وفي غالبهم يؤرقهم ذلك حتى يجدوا من يعبُرُها لهم
فتجدهم يتساءلون ؟
الرؤيا عُبِرت فلِمَ لَمْ تقع
ولِمَ لَمْ يصدق قول المعبر
فالحقيقة لابد من تحرير مكمن النقص ، إن كان هناك نقص
وإلا فلربما كان مايُرى أضغاث أحلام ، أو تلاعب شيطان
وهناك أربع جهات لها علاقة بالرؤيا وتعبيرِها ( ثلاث منها لها علاقة برائي الرؤيا )
يترتب عليها صدقها ووقوعها
أو كذبها أو تخلف وقوعها إن كانت صادقة
ولا ننسى أنه قد تعبر الرؤيا على غير وجهها
فتقع على ما جاءت عليه أساساً
ولا يعلم صاحب الرؤيا أنها وقعت
لأجل أنها عُبِرت على خلاف وجهها
الجهة الأولى
الرائي نفسه
فصدقه أساس في صدق الرؤيا
وكذبه في واقعه تفسد الرؤيا فلا تكن صادقه
وبقدر صدقه وكذبه ونسبة ذلك في حياته
تكن الرؤيا فيها من الصدق والكذب كذلك
وتفصيل ذلك
فمن كان صادقاً في حياته صدقت رؤياه
ومن كان كاذباً في حياته كانت رؤياه كاذبة
ومن يخلط الكذب بالصدق
كانت رؤياه فيها خلط من الكذب والصدق
بحسب نسبة الصدق والكذب تكون الرؤيا كذلك
وهذا خلاصة كلام أهل العلم في شرحهم
للحديث الصحيح :
(( و أصدقهم حديثاً أصدقهم رؤيا )) صححه الإمام الألباني
خلاصة الجهة الأولى : صدق الرائي له دوره في صدق الرؤيا مما يؤثر على الرؤيا صدقاً وكذباً
الجهة الثانية
الرؤيا نفسها
( والرؤيا إما أن تكون صريحة لاتحتاج لتعبير أو مرموزة بأمثال وهي بحاجة لتعبير )
و المرموزة نتحدث عنها في قسمين
الأول: صدقها وكذبها ، وقد تحدثت عن ذلك سابقاً في الجهة الأولى
الثاني : طريقة قص الرؤيا على المعبر وروايتها
فهذا الأمر له أهميته في التعبير
فطريقة قص ورواية الرؤيا للمعبر ، يقرب المعنى ويبعده عن المعبر
وكلما كان تعبير الرائي وروايته للرؤيا
حسب كلامه الدارج كان أقرب لصدق التعبير
لأن الأمثال المضروبة في الرؤيا
تأتي حسب المعطيات التي يتعامل معها الرائي في حياته
ولهجته الدارجة ومفاهيمه الخاصة به
فأي تغيير في هذا الجانب يخل في التعبير
ولذا تكلف الفصحى في قص الرؤيا يخل بمعاني أساسية في الرؤيا
ومن ناحية أخرى بعض طالبي التعبير
لايقصون رؤاهم تامة
إما لبعد العهد بها فيحصل النقص
أو لروايتها عن غيرهم ( رأى أخي ، أختي ، صديقي ، . . . الخ )
أو لوجود ما يستحى منه أو ذكره
فيحكون الأمور المعتادة فقط
أما غيرها فيضمرونها أولا يذكرونها بتاتاً
مما يجعل الرؤيا ناقصة في جميع الحالات الآنفة الذكر
مما يجعل التعبير ناقص أو لا يصدق
خلاصة الجهة الثانية : ضبط الرؤيا له دوره في التعبير
الجهة الثالثة
حال الرائي
فمعرفة حال الرائي
مع توافر صدق الرؤيا
و حذاقة المعبر في تعبيره ( كما سأتحدث في الجهة الرابعة )
فإني أعتبره ( أي معرفة حال الرائي ) 50% من التعبير
ولذا فقد ورد عن ابن سيرين رحمه الله
إذا سئل عن الرؤيا
فإنه يسأل الرائي عن اسمه واسم قبيلته
و أرضه وعن ما يأكل . . . الخ
و لربما سُئل عن الرؤيا في أول النهار
لا يجيب عليها إلا في آخر النهار
يسأل صاحبها عن نفسه وعن ما يحتاجة في التعبير
وهذا الأمر ( معرفة حال الرائي ) ينقص نقصاً واضحاً
في تعبير الرؤى في حالات كثيرة
مثل : القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية
والتعبير عن طريق الهاتف ، و الأوراق المكتوبة وجهل حال صاحبها
ولا يصدق منها إلا القليل من الرؤى والواضح منها فقط
أما ماعدا ذلك فيعتري التعبير النقص
وذلك لعدم معرفة حال الرائي
خلاصة الجهة الثالثة : معرفة حال الرائي فيما يتعلق بالرؤيا جزء لا يتجزأ من التعبير
الجهة الرابعة
المعبر
وهو الذي يتعاطى الرؤيا ويحاول تقريب أمثال الرؤيا
على واقع وحال الرائي
ونحن في هذا الباب لن نتحدث
عن ديانة و صدق المعبر و أمانته وحفظه للأسرار
وعدم استعجاله و التوثق من الرؤيا . . . الخ
و إنما حديثنا عن المعبر في عدة أمور
الأمر الأول
أن تعبير أي معبر إنما هو لغلبة الظن
حسب قواعد وأصول التعبير المعتبرة
وتقريب الأمثال بواقع وحال الرائي
وليس القطع بالتعبير والجزم به
وقد جاء في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك
فهذا يوسف عليه السلام بعد أن عبر الرؤيا للسجينين
قال : (( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا ))
فعليه السلام غلب ظنه في التعبير ولم يجزم
أما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم
في الحديث المتفق على صحته :
( رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل
فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب )
من سياق الحديث يعلم أن الوهل هو الظن
بدلالة أنه لم يكن الذي غلب على ظنه صلى الله عليه وسلم
الأمر الثاني
أن حذاقة المعبر لها دورها في جودة التعبير من عدمه
وهذا معلوم في المعبرين عبر التاريخ
ومعلوم حسب التجربة
أنه كلما زادة ممارسة المعبر التعبير زادت حذاقته في فن التعبير
ولا يعني كلامي أن أي شخص يجرب التعبير حتى يحذقه
كلا لا يجوز تعبير الرؤيا لمن لا يحسن التعبير
كما قرر ذلك الإمام مالك رحمه الله
الأمر الثالث
أن المعبر يخطئ ويصيب وإن كان حاذقاً في التعبير
فهو بشر غير معصوم والتعبير على غلبة الظن
فهذا أبو بكر رضي الله عنه
وهو من في التعبير وهو من سادات المعبرين كما هم مقرر في علم التعبير
فقد عبر رؤيا في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقد سأله هل أصاب أم أخطأ فقال له :
(( أصبت بعضاً ، وأخطأت بعضاً ))
ولذا فليجعل طالب التعبير نسبة للخطأ في تعبير المعبر أين كان
والحق أحق أن يتبع
فلا يعلق آمالاً على تعبير معبر
قد تكون ناقصة في صدق صاحبها
ناقصة في طرحها
ناقصة في معرفة حال رائيها
فضلاً أن تكون مروية حسب ما ذكر سابقاً
الأمر الرابع
أن اطلاع المعبر ومعرفته بأحوال الناس
ومعايشته لهمومهم وما يحتاجونه ومخالطتهم
له دور في معرفة مكامن النفوس وارتباط الرؤى بمن رآها
وهذا معلوم فكيف لمعبر يعبر رؤى لطالب تعبير الرؤيا
وهو لا يعرف ما يحتاجونه ولا يعرف همومهم
و ما يشغلهم ، وليس له اطلاع على واقعهم
وخلاصة الجهة الرابعة : أن المعبر إنما يعبر على غلبة الظن
و أنه يخطئ ويصيب وحذاقته تكمن بممارسته لهذا الفن
وعلى الرائي مخالطة الناس ومعرفة همومهم وما يشغلهم ومعرفة واقعهم
وما كتبت هذه الكلمات إلا إبراءً للذمة
و إحقاقاً للحق
وكي لا يتعلق أحد بتعبير معبر
معطيات تعبيره غير كاملة بين يدية
ومع ذلك : الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره
وعلى المؤمن أن يتخذ الأسباب المشروعة و لا يتواكل على رؤيا رآها في منامه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين